سورة الأحقاف - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأحقاف)


        


{وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آَمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (17) أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (18)}
{والذى قَالَ لوالديه} مبتدأ خبره: أولئك الذين حق عليهم القول. والمراد بالذي قال: الجنس القائل ذلك القول، ولذلك وقع الخبر مجموعاً.
وعن الحسن: هو في الكافر العاق لوالديه المكذب بالبعث.
وعن قتادة: هو نعت عبد سوء عاق لوالديه فاجر لربه. وقيل: نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر قبل إسلامه وقد دعاه أبوه أبو بكر وأمّه أمّ رومان إلى الإسلام، فأفف بهما وقال: ابعثوا لي جدعان بن عمرو وعثمان بن عمرو، وهما من أجداده حتى أسألهما عما يقول محمد، ويشهد لبطلانه أن المراد بالذي قال: جنس القائلين ذلك، وأنّ قوله الذين حق عليهم القول: هم أصحاب النار، وعبد الرحمن كان من أفاضل المسلمين وسرواتهم.
وعن عائشة رضي الله عنها إنكار نزولها فيه، وحين كتب معاوية إلى مروان بأن يبايع الناس ليزيد قال عبد الرحمن: لقد جئتم بها هرقلية، أتبايعون لأبنائكم؟ فقال مروان: يا أيها الناس، هو الذي قال الله فيه: {والذى قَالَ لوالديه أُفٍّ لَّكُمَآ} فسمعت عائشة فغضبت وقالت: والله ما هو به، ولو شئت أن أسميه لسميته ولكن الله لعن أباك وأنت في صلبه، فأنت فضض من لعنة الله. وقرئ: {أف} بالكسر والفتح بغير تنوين، وبالحركات الثلاث مع التنوين، وهو صوت إذا صوت به الإنسان علم أنه متضجر، كما إذا قال: حس، علم منه أنه متوجع، واللام للبيان، معناه: هذا التأفيف لكما خاصة، ولأجلكما دون غيركما. وقرئ {أتعدانني} بنونين. وأتعداني: بأحدهما. وأتعداني: بالإدغام. وقد قرأ بعضهم: أتعدانني بفتح النون، كأنه استثقل اجتماع النونين والكسرتين والياء، ففتح الأولى تحرياً للتخفيف، كما تحراه من أدغم ومن أطرح أحدهما {أَنْ أُخْرَجَ} أن أُبعث وأخرج من الأرض. وقرئ: {أخرج} {وَقَدْ خَلَتِ القرون مِن قَبْلِى} يعني: ولم يبعث منهم أحد {يَسْتَغِيثَانِ الله} يقولان: الغياث بالله منك ومن قولك، وهو استعظام لقوله: {وَيْلَكَ} دعاء عليه بالثبور: والمراد به الحث والتحريض على الإيمان لا حقيقة الهلاك {فِى أُمَمٍ} نحو قوله: {فِى أصحاب الجنة} [الأحقاف: 16] وقرئ: (إن) بالفتح، على معنى: آمن بأن وعد الله حق.


{وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (19)}
{وَلِكُلٍّ} من الجنسين المذكورين {درجات مّمَّا عَمِلُواْ} أي منازل ومراتب من جزاء ما عملوا من الخير والشر، أومن أجل ما عملوا منهما.
فإن قلت: كيف قيل: درجات، وقد جاء: الجنة درجات والنار دركات؟ قلت: يجوز أن يقال ذلك على وجه التغليب، لاشتمال كل على الفريقين {وَلِيُوَفّيَهُمْ} وقرئ: بالنون تعليل معلله محذوف لدلالة الكلام عليه، كأنه قيل: وليوفيهم أعمالهم ولا يظلمهم حقوقهم، قدر جزاءهم على مقادير أعمالهم، فجعل الثواب درجات والعقاب دركات.


{وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (20)}
ناصب الظرف هو القول المضمر قبل {أَذْهَبْتُمْ} وعرضهم على النار: تعذيبهم بها، من قولهم: عرض بنو فلان على السيف إذا قتلوا به ومنه قوله تعالى: {النار يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا} [غافر: 46] ويجوز أن يراد: عرض النار عليهم من قولهم: عرضت الناقة على الحوض، يريدون: عرض الحوض عليها فقلبوا. ويدل عليه تفسير ابن عباس رضي الله عنه: يجاء بهم إليها فيكشف لهم عنها {أَذْهَبْتُمْ طيباتكم} أي: ما كتب لكم حظ من الطيبات إلا ما قد أصبتموه في دنياكم، وقد ذهبتم به وأخذتموه، فلم يبق لكم بعد استيفاء حظكم شيء منها.
وعن عمر رضي الله عنه: لو شئت لدعوت بصلائق وصناب وكراكر وأسمنة، ولكني رأيت الله تعالى نعى على قوم طيباتهم فقال: أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا. وعنه: لو شئت لكنت أطيبكم طعاماً وأحسنكم لباسا، ولكني أستبقي طيباتي: وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه دخل على أهل الصفة وهم يرقعون ثيابهم بالأدم ما يجدون لها رقاعاً، فقال: «أأنتم اليوم خير أم يوم يغدو أحدكم في حلة ويروح في أخرى، ويغدى عليه بجفنة ويراح عليه بأخرى، ويستر بيته كما تستر الكعبة. قالوا: نحن يومئذٍ خير. قال: بل أنتم اليوم خير» وقرئ: {أأذهبتم} بهمزة الاستفهام. و {آأذهبتم} بألف بين همزتين: {الهون} و {الهوان} وقرئ {عذاب الهوان}، وقرئ: {يفسقون} بضم السين وكسرها.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8